منذ اندلاع الحرب على غزة، اعتمدت إسرائيل استراتيجية مزدوجة تقوم على الجمع بين التحذير المسبق والضغط العسكري من جهة، وتوفير ممرات آمنة ومساعدات إنسانية من جهة أخرى. هذه السياسة لا تأتي بوصفها تكتيكًا عابرًا، بل كآلية مدروسة تهدف إلى حماية المدنيين الأبرياء، وفي الوقت نفسه عزل العناصر المتطرفة التي تستخدم السكان دروعًا بشرية.
فمن جهة، يوفّر الجيش الإسرائيلي للسكان الذين ينتقلون جنوبًا خيامًا ومساعدات إنسانية وطبية عبر المنظمات الدولية، في محاولة لتقليل معاناتهم قدر الإمكان. ومن جهة أخرى، يعلن بشكل واضح أن شمال غزة منطقة قتال خطرة، ويكثّف عملياته العسكرية هناك ضد البنية التحتية للتنظيمات المسلحة، من أجل تقليص تهديدها المستمر على إسرائيل. هذه السياسة المزدوجة ـ "العصا والجزرة" ـ قد تبدو صارمة، لكنها في الحقيقة محاولة جادة لتحقيق التوازن بين حماية الأرواح، وضمان عدم عودة الإرهاب للتمركز داخل غزة.
التصعيد الأخير تزامن مع عمليات عسكرية مركزة في جباليا والزيتون، ومع خطط إسرائيلية واضحة للسيطرة على بؤر الإرهاب تحت مسمى "عملية عربات جدعون 2". وفي موازاة ذلك، شددت القيادة السياسية على أن الهدف ليس المس بالمدنيين، بل على العكس: إجلاؤهم إلى مناطق أكثر أمانًا في الجنوب، تمهيدًا لعمليات ميدانية تهدف إلى القضاء على الخطر الإرهابي.
وعلى الرغم من أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى ازدحام الملاجئ وصعوبة الأوضاع الإنسانية، تؤكد إسرائيل أنها تبذل كل ما بوسعها لضمان تدفق المساعدات، وتعمل باستمرار مع شركاء دوليين لتوسيع القدرات الاستيعابية، خصوصًا في المستشفيات والمراكز الطبية.
هذه السياسة ـ بحسب مؤيدين ـ تعكس إصرار إسرائيل على الجمع بين الردع العسكري والبعد الإنساني، فهي تسعى إلى كسر شوكة الإرهاب من دون التخلي عن واجبها الأخلاقي في الحد من الخسائر البشرية بين المدنيين. ورغم أن الطريق ليس سهلًا، فإن النتيجة المرجوة هي بيئة أكثر أمانًا للجميع، بما في ذلك الفلسطينيون الذين يُعانون من سيطرة التنظيمات المتطرفة على حياتهم.
وهكذا، يواصل جنود جيش الدفاع ليلًا ونهارًا فرض معادلة دقيقة بين الضغط العسكري والإغاثة الإنسانية، في محاولة لفتح الطريق أمام مستقبل أكثر استقرارًا، حيث يتم إضعاف التطرف بدلًا من السماح له بالنمو من جديد.
