وقد اتُهم الجيش الإسرائيلي بقصف أحد أبراج المراقبة التابعة لقوات حفظ السلام في مقرها بالناقورة، وفي تطور آخر أفادت قوات حفظ السلام بأن جنديين من أفرادها أصيبا بنيران دبابة إسرائيلية في مقرهما في جنوب لبنان في يوم الخميس الماضي، في حين كانت الاشتباكات تدور بين إسرائيل وحزب الله على الحدود، كما أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بإطلاق النار على مدخل مخبأ في موقع اللبونة للقوات الدولية في رأس الناقورة حيث كان جنود حفظ السلام يتواجدون، في الوقت ذاته أعرب مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة عن توصية بنقل القوات الدولية إلى مسافة خمسة كيلومترات شمالًا من جنوب لبنان لتجنب الخطر مع تصاعد القتال.
وفي رد فعل أوروبي نددت الدول الأوروبية المشاركة في القوة الأممية بهذا الهجوم مشددة على أنه قد يعتبر جريمة حرب، وعلق وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتو بأن ما يحدث في جنوب لبنان تجاه قوات اليونيفيل غير مقبول مؤكدًا أن لبنان ليس أفغانستان، من جانبه أكد المتحدث باسم قوات اليونيفيل في لبنان أندريا تينينتي عزمهم على البقاء في مواقعهم جنوب لبنان على الرغم من الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث قد تكون من أخطر ما شهدته في الأشهر الـ12 الماضية، في الأيام القليلة الماضية أثارت قوات اليونيفيل مخاوف بشأن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية القريبة من موقعها في جنوب شرقي مارون الراس بالتحديد في السادس من أكتوبر الجاري.
وجد تحليل صور الأقمار الصناعية الذي أجرته مجموعة التحقيق المستقلة بيلينغكات عن وجود نشاط عسكري إسرائيلي جديد قرب موقع "اليونيفيل 6-52، مع وجود ما لا يقل عن 30 مركبة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي في المنطقة في نفس الوقت، وقد عبّرت هيومن رايتس ووتش عن قلقها من أن الجيش الإسرائيلي قد شن هجمات متكررة ضد عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب غربي لبنان مما يعتبر انتهاكًا لقوانين الحرب، هذه التطورات أثارت عدة أسئلة بين المتابعين أهمها ما إذا كانت إسرائيل تهدف إلى إبعاد قوات اليونيفيل تمامًا عن الحدود لتسهيل عملية عسكرية برية كبيرة، وما إذا كانت التطورات الحالية تشير إلى ضرورة إعادة النظر في دور اليونيفيل ومهماتها.
تعتبر قوات اليونيفيل واحدة من أقدم وأطول بعثات الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، تأسست في جنوب لبنان عام 1978 بعد العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل تحت مسمى عملية الليطاني، بهدف إبعاد فصائل فلسطينية مسلحة كانت متمركزة في جنوب لبنان، وبعد حرب يوليو عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله تم تعديل مهمات وعدد قوات حفظ السلام ويبلغ عدد عناصرها اليوم نحو 10500 عنصر من 47 دولة حول العالم، منها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وإندونيسيا والهند وغانا وينتشرون في 50 قاعدة، تكمن أهمية قوات اليونيفيل في جنوب لبنان في الصلاحيات التي تمنحها القرار الدولي رقم (1701)، مما يمنحها الحق في التحرك والتأكد من عدم وجود ميليشيات مسلحة وإدخال أسلحة إلى المنطقة الخاضعة لها بين الخط الأزرق على الحدود مع إسرائيل وصولاً إلى نهر الليطاني في جنوب لبنان.
ولا تزال معظم الأطراف المحلية والدولية تعتبر أن قوات اليونيفيل تلعب دورًا إستراتيجيًا في إعادة ترتيب الاستقرار بين لبنان وإسرائيل، وهذا ما أكده الإجماع الدولي على تجديد مهمة تلك القوات لعام آخر ينتهي في الأول من سبتمبر 2025، تتمتع اليونيفيل بسلطة تضمن الاستقرار في المنطقة وتحمي المدنيين، وتدعم الأطراف في القيام بدورها نحو تحقيق توقف دائم للنار، يشمل ذلك استخدام القوة لحماية المدنيين من العنف الجسدي المحتمل، يتم تمويل اليونيفيل من ميزانية الأمم المتحدة المخصصة لعمليات حفظ السلام، والتي يتم تحديدها بناءً على مساهمات الدول الأعضاء بمبلغ 503 ملايين دولار سنويًا.
الضغط على اليونيفيل من جانب إسرائيل يتفق جميع الخبراء العسكريين على أن الهدف وراء الضغط الإسرائيلي على قوات حفظ السلام في جنوب لبنان هو إبعاد اليونيفيل والجيش اللبناني عن المناطق الحدودية للنزاع، بحيث يترك للجيش الإسرائيلي الحرية في مواجهة الحزب خاصة في العمليات البرية، يعتقد العقيد الركن المتقاعد أكرم سريوي الخبير العسكري أن إسرائيل تحاول إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان بعمق خمسة كيلومترات، ويتضح ذلك من القصف العنيف وتدمير المنازل وتهجير السكان بالإضافة إلى الإنذار الذي وجه لقوات الأمم المتحدة للابتعاد عن الحدود، كما يضيف أن تل أبيب تسعى لفرض سيطرتها على هذه المنطقة التي لا تزال تشكل خطرًا للصواريخ التابعة لحزب الله على المستوطنات الشمالية.


